من الملاحقة إلى العلاج : أي سياسة جنائية لمتعاطي المخدرات ؟

يوسف بنشهيبة

باحث في العلوم الجنائية والأمنية

 

لا يستقيم الحديث اليوم عن أسباب ارتفاع معدل الجريمة دون اقترانه ببحث جدي وفعّال عن حلول عملية للحد من هذه الظاهرة، التي عرفت انتشارًا مهولًا في الآونة الأخيرة، وتعد الجرائم الناتجة عن تعاطي المخدرات بمختلف أنواعها، متربعة على رأس الهرم، حيث تؤثر هذه المواد بشكل عميق على الجاني، وكأنها تفصله عن الواقع، ليعيش في عالم آخر مختلف عن الذي نعيش فيه.

ويكفي أن نشير إلى أن هذه المخدرات تؤثر بشكل مباشر في الجهاز العصبي، فتغيّر المزاج وتدفع الشخص نحو القيام بتصرفات وأفعال غير متوقعة، يرتكبها سواء البالغون أو الأحداث، في نوع من الاندفاع والتفاعل غير السوي مع المحيط، مما يجعل أي فرد عادي يدرك أن هذا الشخص في وضعية غير طبيعية.

لا شك أن الحديث عن تأثير المخدرات على الفرد لا ينتهي، نظرا لما تخلّفه من اضطرابات ونتائج لا تُعد ولا تُحصى، بعضها قد لا ينفع معه العلاج، خصوصًا عند ظهور ما يُعرف “بأعراض ما بعد التعافي”، مثل ضعف التركيز أو الفصام العقلي وغيرها.

ولا تزال آفة المخدرات تمثل تحديًا عالميًا لا يقتصر على المجتمعات العربية فقط، بل تتقاسمه مختلف دول العالم، كما تتحمل فيه المسؤولية كل مكونات المجتمع، وتخلف هذه الآفة آثارًا جسيمة على المستويات الصحية، الاجتماعية، الأمنية والاقتصادية.

مما لا شك فيه، أن الجريمة في تطور مستمر، إذ تتغير أساليبها وتُستحدث مخططات إجرامية خطيرة تتحدى جهود الجهات الأمنية، فكل عملية إحباط لنقل أو بيع شحنة مخدرات…، تُعدّ بالنسبة للجناة تحديًا يدفعهم نحو التفكير في ابتكار أساليب جديدة للتمويه والنقل…، والعمليات الأمنية الأخيرة تُبرز بوضوح حجم هذه الحرب التي تخوضها الأجهزة الأمنية ضد المخدرات، وقد توسعت أنشطة العصابات الدولية لتشمل ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية عبر القارات، وبعضها يعد المنتج الأول لأنواع معينة من المخدرات، ولم يعد الترويج مقتصرًا على الواقع المادي كالشارع والملاهي الليلية…، بل امتد ليشمل مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات الخارجون عن القانون يستغلونها لترويج سلعهم غير المشروعة.

 وامتدت أيضا هذه الأنشطة الإجرامية لتشمل مستويات أعمق وأكثر خطورة، فيما يُعرف بالإنترنت المظلم Dark Web والويب العميق Deep Web

وسنفرد لهذا الموضوع مساهمة قانونية مستقلة بإذن الله تعالى.

في هذا المقال، لسنا بصدد الحديث عن الإطار القانوني لجريمة الاتجار بالمخدرات، ولا لدراسة الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، وإنما نتناول إشكالية ذات أهمية بالغة وهي : “حق المدمن في العلاج من المخدرات”، في ظل ما يترتب عن استهلاكها من ارتكاب لجرائم كالسرقة بالعنف والقتل العمد… .

نص الفصل 80 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على ما يلي :

«الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج هو أن يُجعل تحت المراقبة بمؤسسة ملائمة – وبمقتضى حكم صادر عن قضاء الحكم – كل شخص ارتكب أو ساهم أو شارك في جناية أو جنحة تأديبية أو ضبطية، وكان مصابًا بتسمم مزمن ناتج عن تعاطي الكحول أو المخدرات، إذا تبيّن أن لجريمته صلة بذلك التسمم.»

من خلال هذه المادة، يتضح أن الوضع في مؤسسة للعلاج يكرّس توجهًا أصليًا ينبغي على محاكم المملكة تبنيه، ويتمثل في :

أولًا : مأسسة حق المدمن في العلاج من المخدرات

ثانيًا : تبني سياسة جنائية حديثة تتماشى مع التوجهات الدولية في محاربة الجريمة.

ومن هذا المنطلق نطرح السؤال الجوهري : هل تحقق العقوبات الجنائية الردع العام، بالنسبة للمجتمع، والردع الخاص بالنسبة للمدمنين على المخدرات ؟

هذا السؤال يعيدنا إلى تسليط الضوء على النتائج الوخيمة لتعاطي المخدرات، ويطرح تساؤلًا فرعيًا : هل ننجح في قطع صلة المدمن بالجريمة بمجرد معاقبته ؟ وهل ننجح في القضاء على ظاهرة “العود”؟

في كثير من الأحيان، يجد المدمن نفسه بعد قضاء العقوبة الحبسية في فراغ تام، بسبب غياب الإدماج والتأهيل الاجتماعي…، ما يجعله يعود من جديد إلى أحضان الجريمة، وربما بشكل أعنف، وهكذا، ندور في حلقة مفرغة : اعتقال – عقوبة – خروج – غياب مواكبة – عودة للجريمة.

أمام ارتفاع معدل الجريمة، و النتائج الضعيفة التي يحققها في بعض الأحيان الردع الخاص والعام، إشكالات تفرض علينا الوقوف على مكامن الخلل، إن الفصل 80 من مجموعة القانون الجنائي كما سبق الذكر يكرس الدور الذي يجب أن تكون عليه السياسة الجنائية المغربية في تعاملها مع الجرائم التي ترتكب نتيجة التعاطي للمخدرات، وفق مقاربة علاجية، وقد فصل فيها الفصل 80 أعلاه، حيث أن الشخص الذي ارتكب أو ساهم أو شارك في جناية أو جنحة تأديبية أو ضبطية، يوضع في مؤسسة للعلاج يكون قد صدر في حقه قرار بالوضع، ويعتبر هذا الوضع مشروط بأن الجريمة المرتكبة كانت نتيجة تعاطي مرتكبها للمخدرات أو الكحول، مما يُفْهَم منه حالة فقدان الوعي والإدراك والتمييز التي يكون عليها مرتكب الجريمة.

“يمكن إثبات ما إذا كان مرتكب الجريمة متعاطيًا لأي نوع من المخدرات، إما وقت ارتكابها، من خلال معاينة حالته من طرف الشهود، أو عبر الاستماع إلى إفاداتهم، أو خلال وضعه رهن تدابير الحراسة النظرية، أو أثناء البحث التمهيدي الذي تتولاه الضابطة القضائية، كما يمكن إثبات ذلك عن طريق الفحص الطبي.”

الفصل 81 من مجموعة القانون الجنائي : إذا ارتأى قضاء الحكم تطبيق مقتضيات الفصل السابق تعين عليه :

1 – أن يصرح بأن الفعل المتابع من أجله صادر عن المتهم.

2 ـ أن يثبت صراحة أن اجرام مرتكب الفعل مرتبط بتسمم مزمن مترتب عن تعاطي الكحول أو المخدرات.

3 ـ أن يحكم بالعقوبة

4 ـ أن يأمر علاوة على ذلك، بالوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج، لمدة لا تزيد عن سنتين.

ويطبق على المحكوم عليه تدبير الوضع القضائي قبل تنفيذ العقوبة، ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك.

ألزم المشرع المحكمة في تطبيق تدبير الوضع في مؤسسة للعلاج، مجموعة من الشروط :

– الشرط الأول : أن تصرح المحكمة بأن الفعل المتابع من أجله صادر عن المتهم، والذي يُفْهَم منه انفراد المتهم بارتكابه للفعل، وأن تحريك الدعوى الجنائية كان بسبب ارتكابه للجريمة، هو إثبات مسؤولية المتهم عن الفعل الذي يتابع من أجله، مما لا يدع مجالا للشك.

– الشرط الثاني : أن يثبت صراحة أن اجرام مرتكب الفعل مرتبط بتسمم مزمن مترتب عن تعاطي الكحول أو المخدرات، و يجب على المحكمة في هذه الحالة أن تثبت صراحة أن هناك علاقة سببية بين تعاطي المخدرات و ارتكاب الجريمة، هذا الإتباث الذي يجب أن يكون بعيدا عن الشك أو الظن أو الفرضية، وكما سبق الذكر فإن الخبرة الطبية تعد العنصر الحاسم في إثبات هذه العلاقة، أي أن التسمم كان له تأثير مباشر على السلوك أو الفعل الذي أقدم عليه المتهم.

ويمكن القول على أن هذا الشرط يشكل العنصر الحاسم في القضية، كيف ذلك ؟ أي أن إثبات هل المتهم كان وقت ارتكاب الجريمة متعاطيا للمخدرات يؤثر على الدعوى وخصوصا نوع العقوبة، هل للمحكمة أن تحكم عليه بعقوبة حبسية أو أن تأمر بوضعه “بمؤسسة للعلاج”.

“عبارة تسميم مزمن”

والتي يُفْهَم من خلالها أن تعاطي المخدرات كان بشكل غير منقطع، أي أن المتهم يتعاطى المخدرات بشكل مزمن ومكثف أو مفرط، أي هو إدمان ظاهر.

– الشرط الثالث : أن يحكم بالعقوبة، أي أن تصدر المحكمة في حق المتهم عقوبة سالبة للحرية، بارتكابه للجريمة، و في هذه الحالة المحكمة ورغم تبوث العلاقة بين الجريمة وتعاطي المتهم للمخدرات فإنها لا تعفي هذا المتهم من العقوبة.

– الشرط الرابع : أن يأمر علاوة على ذلك، بالوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج، لمدة لا تزيد عن سنتين، علاوة على العقوبة التي تصدرها المحكمة، فإنها تصدر قرار بالوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج، كما أن المشرع ألزم المحكمة تطبيق تدبير الوضع بمؤسسة للعلاج قبل تنفيذ العقوبة، مالم تقرر المحكمة خلاف ذلك.

الفصل 82 من ق ج يلغى التدبير الصادر بالوضع القضائي في مؤسسة للعلاج، عندما يتبين أن الأسباب التي استوجبته قد انتفت.

إذا قر رأي الطبيب، رئيس مؤسسة العلاج

الفقرة الثانية من الفصل 8 من الظهير بمثابة قانون 1.73.282 الصادر بتاريخ 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات

المتابعات الجنائية لا تجري إذا وافق مرتكب الجريمة بعد فحص طبي بطلب من وكيل جلالة الملك على الخضوع خلال المدة اللازمة لشفائه إلى علاجات القضاء على التسمم التي تقدم إما في مؤسسة علاجية طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل 80 من القانون الجنائي و إما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية.

ويجب في هاتين الحالتين أن يفحص الشخص المباشر علاجه كل خمسة عشر يوما طبيب خبير يعينه وكيل جلالة الملك ويؤهل هذا الطبيب وحده للبت في الشفاء.

و يصدر وزير العدل بعد استشارة وزير الصحة العمومية قرارا تحدد فيه الشروط التي قد تمكن في بعض الحالات الاستثنائية المتعلقة بالقاصرين على الخصوص من معالجتهم في وسط عائلي.

عبارة “المتابعات الجنائية لا تجري…”

يُفْهَم منها أنها قاعدة آمرة لا يجوز مخالفتها، الفصل 80 من ق ج تقييد النيابة العامة في المتابعة : “تلتزم النيابة العامة بتوجيه سؤال إلى الشخص المتعاطي للمخدرات عمّا إذا كان يرغب في الخضوع للعلاج من الإدمان بدلًا من المتابعة الجنائية، وذلك من خلال عرضه على مؤسسة صحية مختصة في علاج الإدمان، غير أن مراكز العلاج تطرح بدورها العديد من الإشكالات، سواء من حيث العدد أو التوزيع الجغرافي.”

وتُجري المتابعة الجنائية فيما يخص الأفعال المنصوص عليها في المقطع الأول، بصرف النظر عن المتابعات الخاصة بالجريمة الجديدة، إذا عاد الشخص خلال أجل الثلاث سنوات الموالية لشفائه إلى ارتكاب جنحة استعمال المخدرات أو ترويجها.

وإذا فُتح بحث، جاز لقاضي التحقيق، بعد استشارة وكيل جلالة الملك، الأمر بإجراء علاج للمعني بالأمر طبق الشروط المقررة في المقطعين 2 و3 أعلاه، ويواصل عند الاقتضاء تنفيذ الوصفة المأمور بها بالعلاج المذكور بعد اختتام إجراءات البحث.

وإذا تملص الشخص المأمور بعلاجه من تنفيذ هذا الإجراء، طُبقت عليه العقوبات المقررة في الفصل 320 من القانون الجنائي.

وينص الفصل 320 من ق ج على أنه :”من صدر ضده حكم أو أمر بالإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية طبقًا للفصلين 78 و79 أو الفصل 136 بناءً على قرار بثبوت مسؤوليته الناقصة، ثم تهرب من تنفيذ هذا التدبير، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم”.

وتُطبق مقتضيات الفصل 80 من القانون الجنائي فيما إذا أُحيلت القضية على هيئة الحكم.

يُفهم من الفقرة الثانية من الفصل 8 أعلاه، أن الشخص يجب أن يعبر عن إرادته الحرة للموافقة على العلاج من إدمان المخدرات، بدون أن يكون هذا العلاج أو الوضع في مؤسسة للعلاج نتيجة إكراه، أو تهديد، أو ضغط..، أي أن يلتزم رسميًا بالدخول في برنامج علاجي ضد الإدمان، سواء في مستشفى عمومي أو مصحة خاصة، لأن العلاج القسري لا يمكن من خلاله بلوغ النتائج المرجوة، وبالتالي فإن إرادة الشخص التي تنصب نحو العلاج من إدمان المخدرات، مقرونة بإعفائه من العقوبة الحبسية، كما أن الفصل 8 من الظهير أعلاه وعبارة “لا تجري المتابعات الجنائية”، تطبق على الشخص الذي ضُبط وهو يستهلك المخدرات أو الكحول (وليس من يروّجها أو يتاجر بها).

باستقراء الفصل 8 من المرسوم أعلاه، فإن الخضوع للعلاج من المخدرات لا يجري إلا إذا أُجري لمرتكب الجريمة فحص طبي بناءً على طلب من وكيل جلالة الملك.

“وهذا يُجدد التذكير بالدور المهم الذي تلعبه النيابة العامة في تبني سياسة جنائية وفق مقاربة علاجية وتأهيلية، من خلال توجه يؤكد أن العقوبة الحبسية وحدها لا تصلح لتقويم سلوك مرتكب الجريمة، ولا لإصلاحه، لأن العديد ممن يُعتبرون خارجين عن القانون هم في الأصل ضحايا للإدمان، وليسوا مجرمين، بل يمكن اعتبار بعضهم “مجرمين بالصدفة”.”

عبارة الخضوع والتي تعني :

أولًا : قبول والتزام الشخص باتباع التعليمات الطبية لبروتوكول العلاج، تحت المراقبة والمتابعة الطبية.

ثانيًا : التزام الشخص بالمكوث خلال فترة العلاج بمؤسسة عمومية أو مصحة خاصة للعلاج، تقبلها وزارة الصحة العمومية. وتَكمُن العبرة من عدم تحديد مدة العلاج من طرف المشرع في كون هذا التحديد موكولًا للطبيب المعالج، لكونه الأكثر دراية.

كما أن تحديد مدة العلاج يخضع لعدة محددات، من بينها : نوع المادة المخدرة، درجة الإدمان، قابلية واستجابة الشخص للعلاج…، وبالتالي، فإن المشرع قد خص الطبيب وحده بصلاحية تحديد مدة العلاج، لأن المحكمة لا ينبغي لها أن تُبدي رأيًا في المسائل الفنية أو الطبية التي تخرج عن نطاق معرفة ودراية القاضي”

العلاج من المخدرات يتم إما في مؤسسة علاجية طبقًا للشروط المنصوص عليها في الفصل 80 من القانون الجنائي، وإما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية، ومن هذا المنطلق نطرح سؤال في غاية : هل نفقة العلاج على حساب الشخص أم على حساب جهة ما ؟

وللجواب عن هذا السؤال، يجب التمييز بين حالتين :

الحالة الأولى : التي يوافق فيها الشخص الذي ضُبط وهو يستهلك المخدرات على إحالته على العلاج بدل السجن، وفي هذه الحالة فإن نفقة العلاج تقع على عاتقه هو، وليس على الدولة.

الحالة الثانية : الشخص المستهلك للمخدرات الذي يوافق طواعية على العلاج من المخدرات يُعفى من العقوبة، لكن يُلزم بتحمل مصاريف العلاج، ما لم يُثبت عجزه المادي.

الأصل : المستهلك يدفع تكاليف علاجه

الاستثناء : إذا قدم ما يُثبت أنه معوز أو غير قادر ماديًا، يمكن أن تتحمل الدولة أو جهة عمومية النفقات، كوزارة الصحة أو مؤسسات اجتماعية.

وفي ذلك حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة في أحد القضايا الجنحية التلبسية، ملف جنحي رقم : 2021/2101/73 الصادر بتاريخ : 2021/07/05

إن تحريك الدعوى العمومية في حالة المتابعة من أجل استهلاك المخدرات، أو أي مادة تعتبر مخدرة يتوقف على ضرورة استفسار السيد وكيل الملك للمتهم، بعد فحص طبي يتم بناء على طلبه، بخصوص ما إذا كان موافقا على الخضوع إلى علاجات القضاء على التسمم التي تقدم إما في مؤسسة علاجية طبقا للفصل 80 من القانون الجنائي، وإما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية، وذلك بتضمين موقفه بمحضر استنطاقه، سواء كان إيجابيا أو سلبيا”، وذلك إعمالا لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات.

عدم إشعار النيابة العامة الشخص المستهلك المخدرات بحقه في العلاج من الإدمان يشكل خرقا لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات، وبالتالي يكرس الدور الكبير للدفاع في إثارة الدفع الشكلي أثناء المحاكمة، والذي يتجلى في التصريح بعدم قبول المتابعة في الشق المتعلق باستهلاك المخدرات، وذلك بالنظر إلى مخالفتها لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات، كما يكرس لدور المحكمة في حماية الحقوق والحريات، والتي تدخل في ضمنها حق المدمن على المخدرات من اخضاعه للعلاج.

في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان، في ملف جنحي عادي ضبطي عدد : 13061/2021 صادر بتاريخ : 20‏/09‏/2021، حكم غير منشور، حيث أوقفت شرطة مدينة سيدي سليمان شخصا عاينت عليه حالة السكر العلني البيّن حيث كان يصيح في الشارع العام في وقت متأخر من الليل خارقا بذلك حالة الطوارئ الصحية وما تفرضه من إجراءات حظر التنقل الليلي، ودون ارتداء الكمامة، وعند الاستماع الى المتهم تمهيديا اعترف بالمنسوب إليه مؤكّدا أنه مدمن على استهلاك الخمور، بناء على ذلك، قررت النيابة العامة متابعته من أجل السكر العلني البين وإحداث ضوضاء وخرق الطوارئ الصحية، مع إخلاء سبيله، قضت المحكمة بإدانته من أجل المنسوب إليه، ومعاقبته بشهرين موقوفة التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 1000 درهم، مع الحكم بإيداعه داخل مؤسسة للعلاج من الإدمان على الكحول لمدة شهرين على نفقته.

الفرق بين المستهلك للمخدرات والمتاجر فيها : لعل الفروق بين هؤلاء واضحة بجلاء، المستهلك للمخدرات، هو في الأصل ضحية إدمان لا غير، ضحية تفكك أسري، إهمال أسرة، سياسة عمومية، ثقافية، تعليمية، رياضية (ملاعب القرب)، سياسة يمكن أن نقول عنها أنها ضبابية.

المتاجر في المخدرات : يستفيد بلا شك من عائدات الفعل الجرمي، عكس المستهلك لها، وقد تجده في بعض الأحيان يشغل مهنة أو حرفة أخرى مستقلة، يستغلها كذريعة للتستر على نشاطه غيرِ المشروع.

مما لا شك فيه، أن ظهير 21 ماي 1974 في حاجة إلى إعادة النظر، فالمشرع في الفصل 8 تعامل بنوع من التشدد فيما يتعلق باستهلاك المخدرات، الذي نص على أنه “يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة يتراوح قدرها بين 500 درهم و5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات”، كما أنه في العديد من الأحيان تتابع النيابة العامة الموقوفين على خلفية استهلاك المخدرات في حالة سراح، عندما لا يتعلق الأمر بالترويج أو الاتجار.

المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية نصت على أنه “يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبساً أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر.

ولعل السؤال حول نفقة العلاج ومن يتحملها، راجع إلى التكاليف الباهظة التي يتطلبها العلاج من الادمان على المخدرات وعلى وجه الخصوص العلاج بالمصحات الخاصة، حيث أن الحصة الواحدة قد تكلف مبالغ باهضة، وسواء خضع الشخص للعلاج بمؤسسة عمومية أو مصحة خاصة، فيجب أن يفحص الشخص المباشر علاجه كل خمسة عشر يوما طبيب خبير يعينه وكيل جلالة الملك ويؤهل هذا الطبيب وحده للبت في الشفاء.

المشرع المغربي، وفي إطار مأسسة العدالة التصالحية وتفعيل مسطرة الصلح دون اللجوء إلى العقاب، أقر هذه المسطرة كسبب من أسباب انقضاء الدعوى العمومية. وتشمل هذه المسطرة جرائم استهلاك المخدرات، التي لا تُعد من الجرائم الخطيرة على النظام العام، إذ يقتصر ضررها الظاهر على المستهلك فقط، ما دام لم يصدر عنه أي ضرر تجاه الغير، وفي غياب طرف مشتكي أو متضرر.

في غياب تعريف لمسطرة الصلح من طرف المشرع، يمكن الاعتماد على التعريف الوارد بمسودة قانون المسطرة الجنائية، حيت نص الفصل 43 على ما يلي : “يعتبر الصلح بديلا عن الدعوى العمومية إذا توفرت شروط إقامتها ولا يمس بقرينة البراءة”، وإذا كان الصلح هو اتفاق بين الجاني والضحية تحت رقابة القضاء يتمثل في دفع مبلغ من المال للدولة أو تعويض المجني عليه أو قبول تدابير أخرى مقابل انقضاء الدعوى العمومية، وبالتالي فإن إعمال الصلح من طرف النيابة العامة في جنح الاستعمال الغير المشروع للمخدرات وجنح السكر العلني البين، يشترط عدم وجود مشتكي متضرر، وأن يتعلق الأمر بجريمة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم.

المشرع عند اشتراطه على أن الصلح مشروط بجريمة معاقب عليها بسنتين أو أقل، أي هو اشتراط على كون الجريمة غير خطيرة على النظام العام، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إعادة تأهيل مرتكبيها بسرعة و سهولة داخل الحياة الاجتماعية، وهذا يختلف عن الجرائم الخطيرة التي تشكل تهديدا وخطرا على النظام العام، والتي لا تقبل الصلح بالرغم من تنازل الطرف المشتكي، فإن النيابة العامة تسهر على إبقاء الدعوى العمومية قائمة.

دور النيابة العامة في تفعيل مسطرة الصلح في القضايا الجنحية التلبسية المتعلقة باستهلاك المخدرات : إن دور النيابة العامة في تفعيل مسطرة الصلح في القضايا المتعلقة باستهلاك المخدرات، يشكل أهمية كبرى في مأسسة عدالة تصالحية، وتفعيل مسطرة الصلح الزجري (المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية) كبديل للمتابعات، وإرادة فاعلة وفعالة للنيابة العامة في ترشيد الاعتقال الاحتياطي من خلال متابعة المستهلك للمخدرات أو الكحول في حالة سراح، كما ينعكس ايجابا من خلال تقليص عدد المتابعات، وكذلك تخفيف العبء على المحاكم، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، النيابة العامة تعد المرحلة الأولى والمثلى لإشعار المستهلك بحقه في العلاج.

إنّ المستهلك أو المدمن على المخدرات لا يجب اعتباره مجرمًا، بل هو شخص مريض يتعيّن إيداعه بأحد المستشفيات العمومية المختصة في محاربة الإدمان، أو مراكز علاج الإدمان، أو المصحات الخاصة، بدلًا من توقيع العقوبة، التي لن تنفع في تقويم سلوكه أو علاج إدمانه، وبالتالي، وفي رأينا الشخصي المتواضع، فإن العقوبة الحبسية لا يستفيد منها المتعاطي للمخدرات، ولا تحقق الردع العام ولا الخاص، كما يُكلّف الاعتقال وتنفيذ العقوبة في حق المستهلك ميزانية مهمة للدولة، وإثقال كاهل الشرطة القضائية والنيابة العامة والمحكمة بمساطر واجراءات هم في غنى عنها.

ويُلاحظ أن فكرة توقيع العقاب هي السائدة في المجتمعات، في حين أن آلية الصلح الزجري من شأنها أن تُنقذ العديد من الرشداء والأحداث، من براثن الجريمة واحتراف الإجرام.

تشكل مسطرة الصلح الزجري آلية للتسامح وتربية النفس على الاعتراف بالخطأ، وهي إحدى آليات تدبير وتصريف النزاعات أمام القضاء، بشكل يتجلى في صرف نظر القضاء عن نزاعات تكلّف الجهد، في حين أن مسطرة الصلح لا تُفعّل.

إنّ تفعيل بعض النيابات العامة لمسطرة الصلح الزجري في القضايا المتعلقة باستهلاك المخدرات أو الكحول، يُعدّ توجهًا نحو سياسة جنائية وطنية اجتماعية متصالحة، وتأكيدًا على أن الشخص المستهلك للمخدرات أو الكحول هو شخص مريض يحتاج إلى المواكبة الطبية والعلاج، في المقابل، تكشف الممارسة العملية عن واقع آخر لدى بعض المتعاطين للمخدرات أو الكحول، ممن يرفضون المكوث بهذه المؤسسات العلاجية، ويواصلون استعمال المخدرات أو الكحول بعد الإفراج عنهم، فتضيع كل المحاولات التي تستهدف إصلاحهم.

الإشعار بالحق في العلاج من المخدرات : من خلال قراءة الفصل 8 من الظهير بمثابة قانون رقم 1.73.282 الصادر بتاريخ 21 ماي 1974، المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات، يتبيّن أن النيابة العامة مُلزمة بإشعار مستهلك المخدرات بحقه في العلاج من الإدمان.

وهو ما سبق الحديث عنه في هذا المقال، بخصوص دور النيابة العامة في إعلام الشخص المدمن بحقوقه وتوجيهه للاستفادة منها، مقابل وقف متابعته.

كما أن النيابة العامة هي خصم شريف، لا تُعادي إلا من يُعادي القانون، وبالتالي فإن دورها لا يجب أن يُحصر في فكرة العقاب والزجر، بل هي نيابة عامة مواطِنة، اجتماعية، حريصة على حماية المجتمع من كل ما من شأنه أن يُزعزع استقراره وطمأنينته.

ترشيد الاعتقال الاحتياطي في قضايا استهلاك المخدرات : رئاسة النيابة العامة، وفي إطار تنفيذ السياسة الجنائية في مجال استهلاك المخدرات أو الكحول، تلزم كافة قضاة النيابة العامة، بموجب العديد من الدوريات، بضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وعدم اللجوء إلى هذا التدبير إلا في الجرائم الخطيرة، خاصة :

منشور السيد رئيس النيابة العامة رقم : 01 الصادر سنة 2017.

دورية السيد رئيس النيابة العامة رقم : 44 س/ر.ن.ع بتاريخ: 15/11/2018 حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي.

دورية السيد رئيس النيابة العامة رقم : 5 س/ر.ن.ع بتاريخ: 29/01/2019 حول تدابير الاعتقال الاحتياطي.

إن علاقة الاعتقال الاحتياطي بمسطرة الصلح الزجري في قضايا استهلاك المخدرات، هي علاقة قائمة على التوازن بين تحقيق الردع الخاص والعام من جهة، وضمان احترام حقوق وحريات الأفراد من جهة أخرى، مع مراعاة الطابع الخاص لجنح الاستهلاك، بوصفها جنحًا بسيطة في أغلب الأحيان، ما لم تقترن بجرائم أخرى، مع اعتبار أن الاعتقال الاحتياطي ليس هو الأصل، بل هو إجراء استثنائي. ويُعتبر في نفس الصدد العلاج من الإدمان بديل عن المتابعة الجنائية.

إن إيداع مستهلك المخدرات أو الكحول في السجن، واختلاطه بالسجناء ممن يُعرفون بذوي السوابق القضائية في مختلف الجرائم، هو وحده كفيل بأن يُحوّل هذا المستهلك إلى مجرم، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة لن تستفيد من اعتقاله، ما دام لم يتحقق الردع الخاص، ولن يستفيد المستهلك نفسه، حيث يجد هذا الأخير نفسه مجرمًا، بالرغم من الجنحة البسيطة المسجلة في حقه.

كما لا ننسى أن الممارسة العملية أظهرت أن قضاة النيابة العامة يتابعون هؤلاء الأشخاص في حالة سراح، في إطار تفعيل مسطرة الصلح الزجري.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن بعض محاكم الموضوع لا تعاقب الأشخاص المتابعين من أجل جنحة حيازة واستهلاك المخدرات إلا بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ وغرامة مالية بسيطة.

الحراسة النظرية في قضايا استهلاك المخدرات :

يتفق الجميع على أن الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية يُعد من أخطر الصلاحيات والسلط التي منحها المشرع لضباط الشرطة القضائية أثناء مرحلة البحث التمهيدي، وفي الوقت نفسه، فإن هذا التدبير يعكس توجهًا وقائيًا مبنيًا على حماية الحقوق والحريات، ولعل الغاية من وضع المستهلك للمخدرات تحت تدابير الحراسة النظرية هي حمايته من إيذاء نفسه أو إيذاء غيره، وبالتالي كبح جماح هذا المستهلك، كما أن الحراسة النظرية في القضايا المتعلقة باستهلاك المخدرات ترتبط بكونها وسيلة من أجل تعميق البحث حول ظروف الاستهلاك، وكشف المزود، ومصدر هذه المخدرات… .

المستهلكون للمخدرات وعلاقتهم بالمؤسسة السجنية : تشهد المؤسسات السجنية حالة

من الاكتظاظ، وقد دقّت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ناقوس الخطر بشأن هذه الظاهرة، وكما سبق الذكر، فإن اعتقال المستهلكين للمخدرات وإيداعهم السجن ليست الطريقة المثلى لمحاربة الجريمة، مع العلم أن أسلوب تقويم سلوك هؤلاء المدمنين، عن طريق عرضهم على العلاج أو إبقائهم في وسطهم العائلي إذا كانوا قاصرين، يبقى أنجع من متابعتهم قضائيًا، وهو ما ينعكس إيجابًا على النيابة العامة، والمحاكم، والمؤسسات السجنية.

ولعل المشرع، من خلال تأكيده على علاج القاصرين داخل وسطهم العائلي، يُبرز الدور المهم الذي تلعبه الأسرة في تربية وتقويم سلوك القاصر، والمواكبة والمساهمة الفاعلة والفعالة في علاجه من الإدمان، لأن المقاربة في محاربة الإدمان هي مقاربة مشتركة بين جميع الأطراف، وفي هذا الصدد حرص المشرع على تعزيز مراقبة السجون للتأكد من تمتع السجناء والمعتقلين بحقوقهم، وتمكينهم من العلاج، من خلال نصوص قانون المسطرة الجنائية، وكذا القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، حيث تضمّن مقتضيات خاصة بمراقبة السجون، ومنح بذلك لوكلاء الملك والوكلاء العامين للملك صلاحية مراقبة المؤسسات السجنية، بما فيها أوضاع السجناء، للتأكد من مدى تمتعهم بالحقوق التي خولها لهم القانون، مع التأكيد على ضرورة القيام بزيارات دورية للمؤسسات السجنية ومراكز الأحداث.

وعندما نتحدث عن حق السجناء في العلاج من الإدمان، فإننا نشير إلى التدابير التي نهجتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، من خلال تمكين السجناء المدمنين على المخدرات من مواصلة علاجهم عن طريق الميثادون

، وذلك في إطار تنزيل سياسة وزارة الصحة المتعلقة بعلاج Methadone

المخدرات.

ويُعتبر الميثادون دواء أفيونيًا صناعيًا يُستخدم بشكل رئيسي لعلاج إدمان المواد الأفيونية (مثل الهيروين أو الأوكسيكودون)، وذلك ضمن برامج العلاج البديل.

إن محاربة الإدمان تقتضي مقاربة تشاركية بين جميع الأطراف، حكومة، مجتمع، مؤسسات، جمعيات المجتمع المدني، ومنظمات…، وإذا كانت مسؤولية الحكومة تشكل المساهمة الأكبر، فإن هذه المقاربة لا يمكن أن تُحقق أهدافها في غياب إرادة وتوجّه سياسي جادّ.

وفي إطار المقاربة العلاجية التي تتجلى في تمكين المدمنين على المخدرات أو الكحول من حقهم في العلاج، وباعتبار أن النص القانوني موجود (الفصل 8 من ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة)، فإن الحق في العلاج مكفول لكل مدمن، وبموجب هذا الفصل، فإن النيابة العامة مُلزمة قانونًا بإحالة المدمنين على الفحص الطبي، وعلى العلاج من الإدمان بمؤسسات عمومية أو خاصة أو مراكز مؤهلة، بعد موافقتهم.

ويُشكّل الفصل 8 وسيلة اختيار بين العلاج والمتابعة، إذ تسقط المتابعة القانونية بمجرد اختيار العلاج، وبالتالي يسقط حق النيابة العامة في المتابعة.

ويُجسّد ظهير 1974 إرادة المشرع في تشجيع المدمنين على اختيار العلاج عوض المتابعة، وهو هدف نبيل سعى إليه المشرع للحد من ظاهرة الإدمان، غير أن الواقع العملي يكشف عن تفاوت واضح في تطبيق الفصل 8 بين مختلف النيابات العامة والمحاكم، وتشكل هيئة الدفاع الصوت الذي يطالب مرارًا وتكرارًا بتطبيق مقتضيات هذا الفصل، إلى جانب المحكمة.

وفي هذا السياق، جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة أن المتابعة في مادة استهلاك المخدرات تكون باطلة لخرقها مقتضيات الفصل 8 من ظهير 1974، إذ لم يُعرض الشخص ضحية الإدمان على الفحص الطبي أولًا، باعتباره السبيل القانوني لإثبات حالة الإدمان.

“ويجب الإشارة إلى أن إثبات حالة الإدمان ومدة العلاج منها، يقرر فيها الطبيب وحده، وهذا ما أكده المشرع.”

التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024 :

كشف التقرير أن خمس جهات لا تتوفر على مركز للإدمان، أو على خدمات موجهة للأشخاص المدمنين، وقد أوضح التقرير أن هذه الجهات خالفت ما هو منصوص عليه في المخطط الاستراتيجي الوطني للوقاية والتكفل باضطرابات الإدمان وعلاجها 2018–2022، الذي ينص على توفير مراكز للعلاج في جميع جهات المملكة بدون استثناء.

كما نص المخطط، وفق التقرير ذاته، على تخصيص من سريرين إلى خمسة أسِرّة على الأقل للأشخاص الذين يعانون من الإدمان.

غير أن التقرير يُبرز أنه لم يتم إنشاء هذه الوحدات، وأن المراكز الاستشفائية الجامعية بالرباط والدار البيضاء وفاس فقط هي التي تتوفر على أسرّة مخصصة لاستشفاء هذه الفئة.

ويشهد تسيير مراكز الإدمان المُحدثة في سبع جهات، حسب تقرير مجلس الحسابات، نقصًا في الموارد البشرية، خصوصًا الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين، كما أن نسبة التغطية بأطباء الإدمان لا تتجاوز 0.82 طبيبًا للمركز الواحد، بينما تبلغ النسبة 0.09 بالنسبة للأخصائيين النفس.

وأشار التقرير ذاته إلى أن “نسبة التغطية بأطباء الإدمان لا تتجاوز معدل 0.82 طبيبًا لكل مركز، كما أن هذه النسبة لا تتعدى 0.09 بالنسبة للأخصائيين النفسيين وأخصائيي العلاج النفسي الحركي.”

رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : مواجهة السلوكات الإدمانية – واقع الحال والتوصيات

كشف المجلس في تقريره عن تعرض نزيلات ونزلاء المؤسسات السجنية لمخاطر مرتبطة بالإدمان، تعود للهشاشة النفسية والاجتماعية، والضغوط الناتجة عن الحرمان من الحرية، وظروف العيش داخل السجن، بالإضافة إلى الاكتظاظ الذي تشهده هذه المؤسسات، وسلوك تقليد النزلاء بعضهم البعض، مما قد يؤدي إلى تناول المواد ذات التأثير النفسي والعقلي بدافع الفضول والاكتشاف، ليتحول الأمر تدريجيًا إلى تعوّد واستهلاك دائم.

ووفقًا للمعطيات المتوفرة، فإن حوالي 13.45% من السجناء يعانون من الإدمان على أربعة أصناف من المخدرات، تتوزع على النحو التالي :

القنب الهندي : 31.88%

المؤثرات العقلية : 11.91%

الهيروين : 5.76%

الكوكايين : 4.24%

وقد سجّل المجلس ضعف ولوج السجناء لخدمات علاج الإدمان، حيث إن من أصل 76 مؤسسة سجنية، لا تتوفر سوى 10 مؤسسات على وحدات مخصصة لعلاج الإدمان، بينها 5 مؤسسات فقط تقدّم علاجات بدائل الأفيونات (TSO)

“يحتل القنب الهندي المرتبة الثانية بعد التبغ ضمن المؤثرات العقلية الأكثر استهلاكًا في المغرب.”

أما إدمان الكحول، فيأتي في المرتبة الثالثة في قائمة المواد ذات التأثير العقلي، بعد التبغ والقنب الهندي، ويُعاني ما يُقدّر بـ 350,000 شخص من إدمان الكحول، أي ما يُعادل 1.4% من الساكنة التي يتجاوز عمرها 15 سنة، وتبلغ النسبة 2% ضمن الفئة التي تفوق أعمارها 15 عامًا.

نبّه المجلس إلى معاناة فئة النساء من الإدمان، في ظل وجود ثلاث مستويات من الهشاشة :

1. الهشاشة الاجتماعية : وتتجلى في ارتفاع مخاطر التعرض للعنف والاعتداءات الجنسية، خصوصًا في حالات العوز الاقتصادي واقترانها باستهلاك المخدرات.

2. هشاشة خاصة مرتبطة بالمواد المخدرة : حيث تشير الأبحاث إلى أن النساء يصلن بسرعة أكبر إلى مرحلة الاستهلاك المفرط، والإدمان على المواد ذات التأثير العقلي والنفسي (مثل مضادات الاكتئاب، المخدرات، الكحول).

3. الهشاشة المرضية : بسبب عوامل بيولوجية عصبية وهرمونية، والتي تتزامن أحيانًا مع أمراض أو اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب واضطرابات القلق.

إكراهات هيكلية في مواجهة الإدمان :

كشف المجلس عن غياب التنسيق بين الفاعلين في مجال محاربة الإدمان، ونقص في الموارد البشرية والمالية، بالإضافة إلى عدم ملاءمة الإطار القانوني الحالي المنظم لاضطرابات الإدمان وانعكاساته.

وقد خلُص المجلس في ختام تقريره إلى التأكيد على مجموعة من التوصيات الجوهرية بهدف وضع سياسة وطنية فعالة لمحاربة السلوكات الإدمانية، سواء على المستوى الوقائي أو العلاجي أو الإدماجي.

مؤسسة محمد الخامس للتضامن : نموذج متميز للرعاية في محاربة الإدمان، تجسدت العناية المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في إطلاق برنامج محاربة الإدمان عبر “مؤسسة محمد الخامس للتضامن”، والتي تبنت مقاربة جدية لضمان الرعاية اللازمة للأشخاص المتأثرين بالإدمان.

وقد أطلقت المؤسسة البرنامج الوطني لمحاربة السلوكات الإدمانية، وهو نموذج رائد للتعاون يعتمد على مواكبة متعددة الأبعاد، من خلال رعاية طبية واجتماعية، خاصة لفئة الشباب المنحدرين من أوساط فقيرة، الذين يعانون من الضيق النفسي، والاضطرابات السلوكية، والإقصاء الاجتماعي، مما يستوجب حمايتهم واحتوائهم.

منذ عام 2010، والمبادرة تشتغل وفق استراتيجية متكاملة، تم تنظيمها وتكييفها لتتناسب مع حاجيات الفئات المتضررة، وتركز على الفئات الأكثر عرضة للإدمان.

تعتمد هذه الاستراتيجية على :

دمج البعدين الطبي والاجتماعي.

نهج القرب وتسهيل الولوج إلى العلاج.

شراكة فعالة بين الوزارات والمجتمع المدني.

مقاربة محلية تُراعي طبيعة كل منطقة.

وقد تم إحداث مراكز علاج الإدمان في مختلف جهات المملكة، مع مراعاة أنواع الإدمان المنتشرة جهوياً :

الشمال : انتشار المخدرات الصلبة.

الشرق : تفشي استهلاك حبوب الهلوسة.

آليات التدخل

تتكون فرق التدخل من :

قطب صحي تُشرف عليه وزارة الصحة، ويضم :

أطباء متخصصين في طب الإدمان

أطباء نفسانيين

أخصائيين في علم النفس

ممرضين

قطب مجتمعي يعمل على المتابعة الاجتماعية والوقائية.

تشمل الرعاية :

الطب العام

طب الإدمان

الطب النفسي

العلاج ببدائل الأفيونات مثل الميثادون

أما القطب المجتمعي، فتديره جمعية محلية تتكون من مهنيين في القطاع الصحي، إضافة إلى فاعلين اجتماعيين متخصصين في محاربة سلوكات الإدمان، ويتكلف هذا القطب بأدوار الوقاية، التوعية، تقليص مخاطر الإدمان، والمواكبة النفسية والاجتماعية، ويشتغل هذا القطب بطريقتين : ثابتة ومتنقلة، كما يُوفر مواكبة للإدماج السوسيو-مهني، من خلال أنشطة فنية ورياضية للتنشئة الاجتماعية، وورشات تكوينية.

رئاسة النيابة العامة : مؤشرات مقلقة في ارتفاع جرائم المخدرات، كشفت رئاسة النيابة العامة في تقريرها لسنة 2023 أن عدد قضايا الاستعمال غير المشروع للمخدرات بلغ 81 ألف قضية، مقابل 74 ألف قضية سنة 2022، أي بنسبة ارتفاع تقدر بحوالي 8.9%.

ويجب التأكيد على أن الإدمان على المخدرات لا يقتصر على فئة الراشدين، بل يشمل أيضًا الأطفال والأحداث، الذين يعانون من هشاشة بنيوية، سواء على المستوى الجسدي، أو نتيجة الفقر، التهميش، الإقصاء الأسري، والانقطاع المبكر عن الدراسة…، كما تُسجّل حالات كثيرة من الإدمان في صفوف أطفال الشوارع، أو أولئك الموجودين في وضعيات صعبة أو هشة.

نحو عدالة علاجية بدل المقاربة الزجرية : في رأينا الشخصي المتواضع، فإن الجرائم المرتبطة باستهلاك المخدرات أو الكحول تستحق أن يُفعل بشأنها مسطرة الصلح، لأن المستهلك ليس مجرمًا، بل هو شخص مريض يحتاج إلى الرعاية والعلاج، ويُفترض في السياسة الجنائية أن تفعّل بدائل المتابعة القضائية، ومنها مسطرة الصلح في مثل هذه القضايا، قصد تخفيف الضغط على النيابات العامة والمحاكم، دون المساس بحقوق المتقاضين أو الصالح العام.

ولا يجب أن يبقى النص القانوني في حالة جمود، بل يجب تحريكه وتأويله في اتجاه إنساني وتضامني.

إذا كانت النيابة العامة، بحكم دورها، خصمًا شريفًا لا تعادي إلا من يعادي القانون، فإنها تسهر على حماية الحريات والحقوق، ومنها الحق في العلاج من الإدمان، كحق إنساني مشروع تسهر النيابة العامة على تفعيله، للحد من ظاهرة الإدمان أو التخفيف منها، وقد لوحظ، من خلال الواقع العملي، أن العديد من قضاة النيابة العامة يقومون بأدوار تحسيسية وتوعوية لفائدة الأشخاص المدمنين، سواء من خلال آليات بديلة للمتابعة أو عبر تدابير داعمة للإدماج والعلاج.

القضاء والتوجه نحو العلاج : بعض المحاكم تصدر أحكامًا موقوفة التنفيذ في حق المدمنين على استهلاك المخدرات، وبعض النيابات العامة اتجهت نحو متابعة هؤلاء الأشخاص في حالة سراح، تفاديًا لاكتظاظ السجون.

أما محاكم أخرى، فقد اختارت مقاربة علاجية وتأهيلية بدل المقاربة الزجرية العقابية، وذلك عبر تفعيل الفصل 8 من ظهير 1974 والفصل 80 من مجموعة القانون الجنائي، بل إن بعض المحاكم أصدرت أوامر بإيداع المتهمين داخل مؤسسات للعلاج من الإدمان من تلقاء نفسها، حرصًا منها على التطبيق السليم للقانون، وإعمالًا لحق الإنسان في الرعاية الصحية والعلاج، بما يعكس دور القضاء في حماية الحقوق والحريات، ومنها الحق في العلاج.

وفي رأينا، فإن نشر الأحكام القضائية التي تقضي بإيداع المدمنين في مراكز علاج الإدمان يُعتبر مساهمة ذات أهمية كبيرة، في خلق نقاش قانوني، بالإضافة إلى فتح الباب لإعادة النظر في الطريقة التي يتعامل بها القضاء مع قضايا الإدمان، وتُعزز المقاربة العلاجية التأهيلية على حساب المقاربة الزجرية العقابية، التي أثبتت محدوديتها، كما يتضح من ارتفاع نسبة العود الإجرامي.

لقد أبان الواقع العملي أن الملاحقة القانونية للمتعاطين للمخدرات أو الكحول لم تُحقق الردع المطلوب، سواء العام أو الخاص، كما لم تُساهم بالشكل المطلوب في الحد من معدلات استهلاك المخدرات، ولهذا فإن المقاربة العقابية وحدها غير كافية، ويُستوجب هذا توفر إرادة سياسية جادة، وتظافر جهود جميع الفاعلين، وفق مقاربة

تأهيلية علاجية، تروم إلى تأهيل وعلاج المدمنين على المخدرات، وإدماجهم في المجتمع.

إن الحق في العلاج من الإدمان ما زال يُطرح بإلحاح، ليس فقط في المغرب، بل في أغلب بلدان العالم و دول إفريقيا والعالم العربي، حيث تظل الآليات القانونية والعلاجية غير كافية أو غير مفعلة بالشكل المطلوب.

الآلية العلاجية ليست فقط حقًا للمدمن، بل هي فرصة حقيقية للقطع مع طريق الانحراف والإجرام، وللاندماج من جديد في المجتمع.

يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية

تم بحمد الله تعالى

 

لائحة المصادر :

النصوص القانونية:

– الفصل 8 الظهير بمثابة قانون المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات

– الفصل 80 و 81 و 82 و 320 من مجموعة القانون الجنائي

– الفصل 43 من مسودة قانون المسطرة الجنائية

– المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية

– القانون رقم : 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية

الاحصاءات الرسمية:

– احصاءات رئاسة النيابة العامة لسنة 2023 يخص جرائم الاستعمال غير المشروع للمخدرات

– رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مواجهة السلوكات الإدمانية واقع الحال والتوصيات – إحالة ذاتية رقم : 58\2021

التقارير:

– التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات 2024\2023

الأحكام القضائية:

– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة في أحد القضايا الجنحية التلبسية. ملف جنحي رقم 2021/2101/73 الصادر بتاريخ : 2021/07/05

– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان، في ملف جنحي عادي ضبطي عدد : 13061/2021 صادر بتاريخ :‏20‏/09‏/2021، غير منشور

– دورية رئاسة النيابة العامة بتاريخ 11 يوليو 2019 حول تفعيل مسطرة الصلح

– منشور السيد رئيس النيابة العامة رقم: 01 الصادر سنة 2017 .

– دورية السيد رئيس النيابة العامة رقم: 44 س/ر.ن.ع بتاريخ: 15/11/2018 حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي .

– دورية السيد رئيس النيابة العامة رقم: 5 س/ر.ن.ع بتاريخ: 29/01/2019 حول تدابير الاعتقال الاحتياطي.

قد يعجبك ايضا