الجولة الأمريكية الخليجية 

الجولة الأمريكية الخليجية 

بين حصيلة الشراكات التجارية وتحديات رفع العقوبات على سوريا  

الدكتور محمد البغدادي

باحث في العلوم القانونية

جامعة عبد المالك السعدي بطنجة

المملكة المغربية

 

مقدمة:

معلوم أن الجولة الأمريكية الخليجية الذي يقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الفترة الممتدة ما بين 13 و16 ماي 2025 إلى كل من الرياض والدوحة وأبوظبي، تأتي في سياق دولي وإقليمي مشحون بالتحديات والتهديدات والتقلبات الراهنة، وذلك في ظل تفاقم الصراع النووي الإيراني الأمريكي، وكذا استمرار الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية، ومناقشة الوضع السياسي والتنموي لسوريا، حيث تشهد السياسة الخارجية الأمريكية تحركات متسارعة في منطقة الشرق الأوسط من خلال مواصلة الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض مساعيها ومطامعها لإعادة صياغة التحالفات وموازين النفوذ.

ويمكن تعريف الجولة الأمريكية الخليجية على أنها زيارة سياسية ودبلوماسية واقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الديار الخليجية.

واعتبارا لأهمية ومكانة الجولة الأمريكية الخليجية في ضمان السلام العادل وتوطيد شراكات استراتيجية مثمرة وبناءة، فإن الإشكالية المركزية تتمثل فيمايلي:كيف يمكن لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دول الخليج تحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية كبرى؟

وتحت هاته الإشكالية المحورية تتفرع عنها التساؤلات التالية: ما هي حصيلة الشراكات التجارية في ضوء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كل من الرياض والدوحة وأبوظبي؟ و تحديات رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات على سوريا؟.

ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:

المبحث الأول: حصيلة الشراكات التجارية في ضوء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كل من الرياض والدوحة وأبو ظبي

المبحث الثاني: تحديات رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات على سوريا

 

المبحث الأول: حصيلة الشراكات التجارية في ضوء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كل من الرياض والدوحة وأبو ظبي

ما من شك في أن الحضور الأمريكي الوزان داخل الديار الخليجية له عدة إشارات  وحمولات سواء على صعيد السياسي والدبلوماسي أو على صعيد التنموي، وذلك بالنظر أولا إلى التداعيات السلبيات للرئيس الأمريكي السابق جوبايدن، وبالنظر ثانيا إلى حجم الرهانات الاستراتيجية والسياسية والتنموية الذي يطمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى بلوغها مع دول بلدان الخليج العربي.

وعليه، سوف نتطرق إلى الشراكة التجارية بين واشنطن والرياض والدوحة في المطلب الأول والشراكة التجارية بين واشنطن وأبوظبي في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الشراكة التجارية بين واشنطن والرياض والدوحة

من الواضح جدا أن المحطة السعودية تخللت وعود قدمتها الرياض باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار؛ ضمنها صفقة أسلحة قال البيت الأبيض إنها “الأكبر في التاريخ”. كما أعلن البيت الأبيض أن شركة “داتا فولت” السعودية ستستثمر 20 مليار دولار في مواقع مرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وأن شركات تكنولوجيا، بما فيها “غوغل”، ستستثمر في كلا البلدين.

وفي ذات السياق، فإن زيارة فخامة الرئيس دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدوحة حضيت بأهمية استراتيجية بالغة على المستويين الثنائي والإقليمي، وذلك بالنظر إلى العلاقات المتنامية والمصالح المتبادلة بين البلدين. وقد جاءت هذه الزيارة في إطار التأكيد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين الدوحة وواشنطن، وتتويجًا لمسار طويل من التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، حيث شهدت توقيع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وفخامة الرئيس ترامب، اتفاقية وعددًا من مذكرات التفاهم التي تعزز مجالات التعاون المشترك وتدعم التوجهات التنموية في الدولة.

وتتمتع دولة قطر والولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية واستثمارية راسخة، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر مستثمر أجنبي مباشر في قطر، ومصدرًا رئيسيًا للمعدات الصناعية الحيوية، خاصة في قطاعي النفط والغاز اللذين يمثلان ركيزة الاقتصاد الوطني. وتتجاوز الشراكة بين قطر والولايات المتحدة الأبعاد الاقتصادية، لتشمل تعاونًا وثيقًا في المجالات الأمنية والإنسانية والدبلوماسية، حيث تُعد قطر شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي، وتقوم بدور محوري في جهود الوساطة الإقليمية والدولية، إلى جانب مساهماتها البارزة في الاستجابة للأزمات الإنسانية. ويأتي ذلك في إطار علاقة متينة تقوم على الثقة وتعدد المصالح، ما يجعل من هذه الشراكة نموذجًا متقدمًا في المنطقة. وتأتي زيارة الرئيس ترامب في وقت يواجه فيه العالم والمنطقة تحديات متشابكة تشمل قضايا الأمن والاستقرار والأزمات الإنسانية والضغوط الاقتصادية.

وقد عبّر الرئيس الأمريكي عن تطلع بلاده إلى تعزيز التعاون مع شركائها الإقليميين، وفي مقدمتهم دولة قطر، انطلاقًا من إدراك واشنطن للدور الحيوي الذي تضطلع به الدوحة على مختلف الصعد. كما تشكل هذه الزيارة محطة هامة في تاريخ العلاقات القطرية الأمريكية، وتجسد مستوى التفاهم السياسي والتكامل الاقتصادي بين البلدين، بما يعزز مكانة قطر كفاعل أساسي في النظام الإقليمي والدولي، ويكرس تحالفًا استراتيجيًا متينًا يواكب تطورات العصر ويتكيف مع متغيراته.

كما وقعت كل من واشنطن والدوحة اتفاقية ستسهم في تعزيز التبادل الاقتصادي بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار، بحسب بيان صدر عن البيت الأبيض.كذلك أعلن ترامب عن صفقات اقتصادية تزيد قيمتها الإجمالية عن 243 مليار دولار بين البلدين، بما في ذلك صفقة تاريخية لبيع طائرات “بوينغ” ومحركات “جنرال إلكتريك للطيران” إلى الخطوط الجوية القطرية.وذكر البيت الأبيض أن هذه الصفقات التاريخية ستسهم في دفع عجلة الابتكار والازدهار لأجيال قادمة، وتعزيز الريادة الصناعية والتكنولوجية الأمريكية، ووضع الولايات على طريق عصر ذهبي جديد.

المطلب الثاني: الشراكة التجارية بين واشنطن و أبوظبي

إن واشنطن وأبو ظبي تعملان على إعلان شراكة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا خلال زيارة ترامب ، حيث تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى الريادة في مجال التكنولوجيا، لا سيما الذكاء الاصطناعي، لتنويع مداخيل اقتصادها المعتمد أساسا على النفط.لكن هذه الطموحات تتوقف على الوصول إلى التقنيات الأمريكية المتقدمة؛ بما فيها رقائق الذكاء الاصطناعي التي كانت تخضع لقيود تصدير صارمة والتي أفادت تقارير بأن الشيخ طحنون بن زايد، شقيق رئيس دولة الإمارات مستشار الأمن الوطني، ضغط من أجلها خلال زيارة لواشنطن في مارس. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ألغت إدارة ترامب عددا من القيود الجديدة التي أقرها بايدن وكان يفترض أن تضاف اعتبارا من 15 ماي إلى تصدير أشباه الموصلات المستخدمة في تطوير الذكاء الاصطناعي، والتي تضررت منها الصين بالدرجة الأولى. وأعلن الرئيس الإماراتي أن أبوظبي ستستثمر 1,4 تريليون دولار في الولايات المتحدة، خلال السنوات العشر المقبلة.وتم توقيع اتفاقات تبلغ قيمتها الإجمالية 200 مليار دولار؛ بما فيها طلبية بقيمة 14,5 مليارات دولار لبوينغ وجي اي ايروسبايس، فضلا عن مشاركة مجموعة أدنوك لإنتاج الطاقة المملوكة من الحكومة، في مشروع قدره 60 مليار دولار في الولايات المتحدة، حسب البيت الأبيض.

 

المبحث الثاني: تحديات رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات على سوريا

من المؤكد أن قرار رفع العقوبات على سوريا لسنة 1979 بطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان له العديد من الرسائل والدلالات والأبعاد الجيو استراتيجية والمرتبطة بشروط صارمة تتعلق بقانون القيصر وبملفات الإرهاب والأسلحة الكيميائية والمفقودين الأميركيين وموضوع محاسبة سوريا في لبنان وبمحور الشر مع إيران وكوريا الشمالية، وذلك في ظل عودة اللاجئين والسوريين ورجال الأعمال، وكذا تقاطع المصالح الحيوية والاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة في ضوء حصيلة القمة الأمريكية الخليجية.

وتبعا لذلك، سوف نعالج أهمية اللقاء الثلاثي بين واشنطن والرياض ودمشق في المطلب الأول و اجتماع وزيري الخارجية الأمريكي والسوري على هامش اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي بمدينة أنطاليا التركية في المطلب الثاني.

المطلب الأول: أهمية اللقاء الثلاثي بين واشنطن والرياض ودمشق 

في أول اجتماع من نوعه منذ 25 عاما، التقى ترامب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض،وأعلن رفع العقوبات عن الدولة التي دمرتها الحرب؛ لكنه في المقابل طالب الشرع بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث مثل اجتماع “ترمب” مع “الشرع” وإعلان رفع العقوبات، نقطة تحول كبيرة في النهج الأمريكي تجاه الأزمة السورية وتجاه الإدارة الحالية لسوريا، لكن الإشكالية في هذا المسار، ترتبط بغموض هذا الإعلان وماهيته وطبيعته، إذ لم يحدد “ترمب” طبيعة العقوبات التي سيتم رفعها عن سوريا، وهل ذلك سيتم بشكل كامل أم جزئي. وهنا يجب الإشارة إلى أنّ العقوبات الأمريكية على سوريا تتنوع بين أوامر تنفيذية وقوانين وقرارات من وزارتي الخزانة والخارجية.

كما أنّ أصواتاً في الكونغرس الأمريكي لا تبدي حماسة لرفع كامل للعقوبات بشكل سريع. أيضاً سوف تحاول الولايات المتحدة بطبيعة الحال الحصول على مجموعة من المكاسب والاشتراطات على الإدارة السورية الجديدة، خصوصاً فيما يتصل بمسألة العلاقات مع إسرائيل واحتمالية التطبيع، فضلاً عن ملف مكافحة تنظيم داعش، وملف المقاتلين الأجانب في سوريا، بالإضافة إلى الوجود الخاص بالفصائل الفلسطينية والمجموعات الإيرانية في سوريا، وهي كلها ملفات سوف تحدد ماهية ومستقبل هذا القرار. إلا أنّه بعيداً عن هذه الحسابات، سوف يفتح القرار الباب أمام العديد من الأطراف الغربية والدولية من أجل البدء في الاستثمار في سوريا ورفع العقوبات.

المطلب الثاني: اجتماع وزيري الخارجية الأمريكي والسوري على هامش اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي بمدينة أنطاليا التركية

التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو نظيره السوري أسعد الشيباني، اليوم الخميس 15 ماي 2025، وذلك لأول مرة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا، حيث أظهر هذا الاجتماع تنسيقا وتعاونا متينا بشأن الشروط والمقاييس الكفيلة لتنزيل وأجرأة هذا القرار الجيو استراتيجي، وذلك بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وذلك على هامش اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بمدينة أنطاليا التركية.

كما أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو  أمام الكونغرس الأمريكي بتاريخ 20 ماي 2025 أن بلاده ستصدر قريبا بعض الإعفاءات عن العقوبات المفروضة على سوريا بعد إعلان ترامب رفع جميع العقوبات عن سوريا، وتعليقا على عدم فتح السفارة الأميركية في دمشق حتى الآن قال روبيو أن عدم فتحها بسبب مخاوف أمنية لا علاقة للسطات السورية بها، كما أكد أن الحكومة السورية تواجه عدة تحديات منها انعدام الثقة داخليا بسبب سياسة نظام الأسد المتعمدة ، وكذا مسألة النزوح من خلال عودة السوريين إلى الأراضي السورية.

 

الخاتمة:

وتأسيسا على ذلك، يمكن القول إنّ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة التي تخطت 4 تريليون دولار في مجالات عدة ، وتحديداً بعض دول الخليج، قد عبرت عن طبيعة الأولويات الخاصة بالرئيس الأمريكي، خصوصاً فيما يتصل بالتركيز على الدبلوماسية المالية والاقتصادية، لكن ذلك لا ينفي حضور العامل السياسي بشكل كبير، خصوصاً فيما يتصل بالملف السوري، فضلاً عن بعض الترتيبات الإقليمية الأخرى المرتبطة بإيران. 

 

لائحة المراجع:

البرامج التلفزيونية:

  • مداخلة أيمن الرقب، جولة ترامب الخليجية: صفقات تاريخية بين واشنطن والرياض والدوحة، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 15 ماي 2025.
  • مداخلة آمال مدللي، رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.. هل يكفي توقيع ترمب؟، مشاركة في برنامج قناة الشرق للأخبار، يوم 22 ماي 2025.
  • مداخلة جاسم خلفان، ترامب في الإمارات: آخر محطات جولته الخليجية، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 16 ماي 2025.
  • مداخلة جلال قناص، ما هي النتائج المباشرة لرفع العقوبات الأوروبية عن سوريا؟، مشاركة في برنامج قناة الشرق للأخبار، يوم 22 ماي 2025.
  • مداخلة وليد فارس، ما تفسير تصريحات وزير خارجية أميركا عن سوريا أمام الكونجرس؟، مشاركة في برنامج قناة الشرق للأخبار، يوم 21 ماي 2025.
  • مداخلة طارق متولي، جولة ترامب الخليجية: صفقات تاريخية بين واشنطن والرياض والدوحة، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 15 ماي 2025.
  • مداخلة ياسين العلي، جولة ترامب الخليجية: تحولات غير مسبوقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، مشاركة في برنامج قناة 1 تيفي، يوم 15 ماي 2025.
  • مداخلة نوار نجمة، ما تفسير تصريحات وزير خارجية أميركا عن سوريا أمام الكونجرس؟، مشاركة في برنامج قناة الشرق للأخبار، يوم 21 ماي 2025.
  • مداخلة سليمان العقيلي، جولة ترامب الخليجية: تحولات غير مسبوقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، مشاركة في برنامج قناة 1 تيفي، يوم 15 ماي 2025.
  • مداخلة عمرو حسين، ترامب في الإمارات: آخر محطات جولته الخليجية، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 16 ماي 2025.
قد يعجبك ايضا