لماذا تُحفظ الشكاية بسبب “تعذر الاستماع إلى المشتكى به”؟ وما هي الحلول القانونية؟
في الواقع العملي، يلجأ العديد من المواطنين إلى تقديم شكايات أمام النيابة العامة بشأن أفعال يُشتبه في كونها تشكل جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي، من قبيل: النصب، الاحتيال، خيانة الأمانة، السب، القذف، أو التهديد، وغيرها.
غير أنه في بعض الحالات، يُفاجَأ المشتكون بصدور قرار الحفظ من طرف النيابة العامة، ويكون هذا القرار معللًا أحيانًا بعبارة: “تعذر الاستماع إلى المشتكى به”، مما يثير تساؤلات حول مدلول هذا التعليل، وأثره على سير الشكاية، وكذا عن السبل القانونية الممكنة لمواجهته.
أولًا: ما المقصود بـ”تعذر الاستماع إلى المشتكى به”؟
تشير هذه العبارة إلى أن الشرطة القضائية لم تتمكن من الوصول إلى المشتكى به من أجل الاستماع إليه في محضر رسمي، وذلك لأحد الأسباب التالية عادةً:
-
عدم توفر عنوان واضح أو دقيق للمشتكى به؛
-
انتقال المشتكى به إلى محل سكنى جديد دون إشعار؛
-
تواري المشتكى به عمدًا عن الأنظار؛
-
مغادرته التراب الوطني؛
-
تقديم شكاية ضد شخص مجهول دون معلومات تعيينية كافية.
وبالنظر إلى أن الاستماع إلى المشتكى به يُعد من الإجراءات الجوهرية في مرحلة البحث التمهيدي، فإن تعذر ذلك يحول دون إتمام إجراءات البحث، مما يدفع النيابة العامة إلى اتخاذ قرار الحفظ المؤقت في انتظار توفر معطيات جديدة.
مثال واقعي:
على سبيل المثال، في واقعة تتعلق بـ”نصب في معاملة تجارية”، تقدمت إحدى المواطنات بشكاية ضد شخص باعها منتجًا عبر الإنترنت، وذلك من خلال صفحة فايسبوك مجهولة ورقم هاتف جرى قفله لاحقًا. ورغم محاولات الشرطة القضائية، لم يُتمكن من تحديد هوية أو محل سكنى المشتكى به، مما أدى إلى إصدار قرار الحفظ بعلة: “تعذر الاستماع إلى المشتكى به”.
ثانيًا: ما السبل القانونية المتاحة لمواجهة هذا الوضع؟
رغم أن قرار الحفظ لا يُعتبر حكمًا بالبراءة، بل قرار إداري يصدر عن النيابة العامة في إطار سلطتها التقديرية (وفق المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية)، إلا أن المشتكي قد يجد نفسه في موقف صعب عند توقف الإجراءات.
ومن بين الحلول الممكنة في هذه الحالة:
-
تقديم ملتمس إلى وكيل الملك لإخراج الشكاية من الحفظ، مع دعم الطلب بمعلومات أو وثائق جديدة تُسهم في تحديد هوية المشتكى به أو عنوانه؛
-
إعادة تقديم الشكاية لاحقًا، في حال ظهور المعني بالأمر من جديد، أو التوصل إلى بيانات تساعد في الوصول إليه؛
-
اللجوء إلى مساعدة محامٍ أو جمعية حقوقية لتتبع الملف ومباشرة الإجراءات المناسبة.
خلاصة:
يتعين على المشتكي أن يُدرك أن تعذر الاستماع إلى المشتكى به لا يعني نهاية المطاف، بل يُمكن تجاوزه عبر تقديم معطيات دقيقة، وتتبع الملف بشكل حثيث، مع الحرص على تقديم شكايات موثقة ومستندة إلى بيانات واقعية.
وفي المقابل، يتعين على السلطات الأمنية والقضائية تطوير أدوات التتبع والتحري الرقمي لمواجهة التحديات المرتبطة بالجرائم ذات الطابع الإلكتروني أو التي تُرتكب عبر وسائل الاتصال الحديثة.