خطاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بين خروج عن ثوابت الأمة المغربية وضرب في الأعراف الدبلوماسية الدولية

الدكتور محمد البغدادي

باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة

جامعة عبد المالك السعدي

 

مقدمة:

يطرح الخطاب الأخير للأمين العام لحزب العدالة والتنمية بمناسبة عيد الشغل لسنة 2025 مجموعة من الإشكالات ذات الطابع القيمي والسياسي والدستوري، بسبب مضامينه التي أثارت نقاشاً واسعاً في الأوساط الوطنية، لا سيما في ظل ما حمله من إشارات تمس بتماسك المجتمع وثوابته، كما تلامس مجال العلاقات الدبلوماسية الذي يعد من اختصاص المؤسسة الملكية.

في هذا السياق، يسعى المقال إلى تحليل الخطاب موضوع الدراسة من زاويتين: أولاً، مدى انسجامه مع ثوابت الأمة المغربية كما ينص عليها الدستور المغربي؛ وثانياً، مدى احترامه للأعراف الدبلوماسية المعتمدة دولياً، وذلك عبر تقسيم الدراسة إلى محورين: الأول حول مضمون الخطاب ومقاصده الداخلية؛ والثاني حول انعكاساته على صورة المملكة في الخارج.

المحور الأول: مضامين الخطاب بين مقتضيات التعبئة الحزبية والثوابت الوطنية

تميز خطاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية خلال فاتح ماي 2025 بلغة حماسية وتعبوية، غير أن بعض عباراته أثارت جدلاً واسعاً بسبب ما فُهم منها من مساس بثوابت الأمة، خصوصاً ما يتعلق بوصف بعض المغاربة بعبارات قدحية، أو التركيز على قضايا خارجية بطريقة اعتبرها البعض اختزالاً لأولويات الوطن.

لقد أشار الخطاب إلى مفاهيم مثل “الميكروبات السياسية” و”تازة قبل غزة”، وهي عبارات تستدعي مساءلة من حيث توافقها مع القيم الدستورية، خاصة وأن الدستور المغربي في فصله الأول ينص على أن الأمة المغربية تستند في حياتها العامة إلى ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي، والوحدة الوطنية، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.

رغم أن حرية التعبير مضمونة، فإن الخطاب السياسي حين يصدر عن شخصية حزبية وازنة، يصبح محكوماً بحدود المسؤولية المؤسساتية. وهنا تبرز أهمية التأصيل المفاهيمي لمصطلح “ثوابت الأمة”، والذي ينبغي أن يُفهم في ضوء مرتكزات الدستور والهوية الوطنية الجامعة.

كما أن إدراج مواقف دينية في سياق سياسي، كما وقع في التعزية الموجهة إلى حزب الله اللبناني، يثير نقاشاً حول حدود تداخل المرجعيات العقدية في الخطاب السياسي، مما يستدعي التمييز بين ما هو سياسي محض وما هو تعبيري شخصي، لتفادي إقحام المغرب في صراعات إيديولوجية خارجية.

المحور الثاني: الخطاب الحزبي وسؤال احترام الأعراف الدبلوماسية

بالانتقال إلى البعد الخارجي، فإن تصريح الأمين العام لحزب العدالة والتنمية يمكن أن يُفهم على أنه تدخل ضمني في مجال السياسة الخارجية، وهو مجال محفوظ لرئيس الدولة بموجب الفصل 42 من الدستور. وقد سبق للأمين العام أن أدلى بتصريحات علنية تخص رؤساء دول أجنبية كالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي مواقف قد تُفهم على أنها تجاوز للأعراف الدبلوماسية.

في هذا السياق، فإن الأعراف الدبلوماسية، كما يحددها ميثاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والحفاظ على حسن العلاقات الدولية. وبالتالي، فإن أي خطاب قد يُفهم على أنه انتقاد مباشر أو غير مباشر لقادة دول حليفة، قد يضع المغرب في مواقف حرجة دولياً.

كما أن وزارة العدل المغربية سبق أن اعتبرت، على لسان وزيرها، أن بعض التصريحات السياسية يمكن أن تُفهم كإهانة لممثلي دول أجنبية، مما يستوجب الحذر في الصياغة والمضمون، خصوصاً من طرف قيادات حزبية ذات وزن وتأثير.

جدير بالذكر أن الخطاب موضوع الدراسة لم يرافقه أي توضيح رسمي من الحزب، ولم يصدر عن وزارة الشؤون الخارجية أي تعليق، وهو ما يفتح الباب أمام تأويلات متعددة حول الموقف الرسمي من هذا الخطاب.

 

خاتمة:

يتضح من خلال ما سبق أن خطاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية خلال عيد الشغل 2025 يثير نقاشاً مشروعاً حول حدود التعبير السياسي، ومدى توافقه مع ثوابت الدولة وأعرافها الدبلوماسية. وإذا كانت الأحزاب السياسية مدعوة للقيام بدور تأطيري ونقدي، فإن هذا الدور يجب أن يُمارس في إطار ما تسمح به القواعد الدستورية والأخلاقية.

وبناء عليه، نقترح في الختام ما يلي:

1. ضرورة تعزيز ثقافة المسؤولية في الخطاب الحزبي، خصوصاً لدى القيادات الوطنية.

2. إدراج آليات داخلية لمراجعة مضامين الخطب والتصريحات ذات الطابع الدولي أو المرتبط بالمؤسسات العليا.

3. العمل على تقنين وضبط حدود التعبير السياسي في النظام الداخلي للأحزاب، بما يضمن التوازن بين حرية الرأي ومصلحة الدولة.

إن رهان مغرب اليوم يقتضي خطاباً سياسياً مسؤولاً، يراعي الثوابت الوطنية ويُقدّر رهانات السياسة الخارجية، ويبتعد عن الانزلاقات التي قد تسيء لصورة المغرب وموقعه الإقليمي والدولي.

 

قائمة المراجع:

1. الخطابات الملكية:

الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الـ60 لثورة الملك والشعب، 20 غشت 2013.

2. النصوص القانونية:

الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011 بتنفيذ دستور المملكة المغربية، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، ص 3600.

3. الوثائق الرسمية:

بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية حول تعزية حزب الله، 28 شتنبر 2024.

4. الخطابات الرسمية:

مداخلة عبد الإله ابن كيران، عيد الشغل، 1 ماي 2025.

5. القنوات والمنابر الإعلامية:

مداخلة عبد الرحيم منار السليمي، “هل المطلوب من ماكرون وترامب التشاور مع بنكيران؟”، قناة السليمي، 4 ماي 2025.

مداخلة عبد الرحيم منار السليمي، “الحاجة إلى الحجر السياسي على ابن كيران”، قناة السليمي، 3 ماي 2025.

كلمة محمد الفزازي، “تعزية حزب الله”، برنامج عبد الحق الصنايبي، 13 أكتوبر 2024.

قد يعجبك ايضا